لا تتوقف عن الكتابة

في واقع الأمر، لم أكتب شيئًا جيدًا منذ فترة طويلة. كنت أشجّع نفسي دومًا على الكتابة اليومية، ولو في أحلك اللحظات، ولو كنت مرهقا أو يائسًا من كل شيء. في الوقت نفسه لم يتكون شعور لديّ بأني “كاتب”، أي أنني لا أريد أصلًا أن أكوّن هذا الشعور الآن، شعور أنني أكتب لأنني أستحقّ أن أُقرأ، وإنما أرضّي نفسي دومًا بأنني أكتب لأنني أستحقّ أنْ أكتب، أريد أنْ أرى نفسي بين كلماتي التي أجد نفسي قادرًا على استخدامها وإخراجها من مكان ما من قعر النفس. لذلك كانت كتابة يومياتي تحتلّ جزءًا مهمًا من حياتي قبل عدة سنوات، وكنت أظنّ أنّ لكل إنسان الحق في أن يترك شيئًا يدلّ عليه، بل أدّعي أنّ واجبًا ما للفرد تجاه إنسانيّته يدعوه لأن يترك شيئًا يعبّر عنه وينقل قصته من ساعات وأيام إلى كلمات وأوراق.

وأنا لا أريد أن أكون كاتبًا على أية حال، وإنما أفضّل أن أكون مترجمًا. فالمترجم في نهاية المطاف أكثر تواضعًا من الكاتب، أو فلنقل، أقل تكبّرا واعتدادًا بالنفس من الكاتب. المترجم يضحّي باسمه في كثير من الأحيان ليبعث روح نصّ ما في لغة أخرى. وبالمناسبة، هذا الأمر لا يقتصر على سياقنا العربي، بل هو في السياق الغربي أكثر وضوحًا (مع اختلاف الدوافع والآثار الثقافية): “غياب المترجم” وتماهي الترجمة مع النص الأصلي. المترجم أحيانًا و من فرط إخلاصه لقارئه يجعل الترجمة تبدو كأنها كتبت بلغته الأم، كأنها نص طبيعي لم يخرج من رحم لغة أخرى، ومن شدة شفافية الترجمة يُنسى جهد المترجم كأنّه لم يكن.

ولهذا الأمر في الترجمة وصنعتها كلام طويل، يختلف بين شرقٍ وغربٍ في آثاره الثقافية والمعرفية. سأتكلم عنها لاحقًا.

 

عندما فتحت مدونتي هذا الصباح لم أقصد قط أن أكتب هذا الشيء، وإنما كنت أريد نشر ترجمة لقصة قصيرة قديمة للكاتبة الأمريكية كيت شوبين. كنت قد ترجمتها من قبل، ولكنّها ضاعت مني بين أوراقي، فقررت أن أترجمها مرةً أخرى. سأضع الترجمة، في تدوينة أخرى.