هذا كانون الأول

في كانون الأول ازدحام المشاعر المتولدة من ذكريات ماضية وذكريات تتكوّن. كان العمل على أشدّه في الأسابيع الماضية. يجب أن تأتي بالمواد الجديدة كل أسبوع، والحقيقة المرة التي أتجرعها كل حين هي أنني بتّ غير قادرٍ على القراءة بما يناسب طبيعة المرحلة التي أمرّ بها. فمع انشغالي بالعمل ومع الطلاب بعد العمل، أرى أن الأسئلة الكبرى تلحّ عليّ ولا تتركني بحالي. ولا بد من التوصل إلى استقرار ولو نسبيّا في بعض المفاهيم والأفكار الأساسية في هذه الحياة. الغربة جعلتني أشعر بلوعه الهجر والبعد، بكل المعاني، وأدركت أنّني عشت كثيرًا من سنوات حياتي تحت سطوة الخوف من الهجر والوحدة. كم من الأفكار تجاهلتها وضربت بها عرض الحائط لأنَّ الحديث عنها، بل التفكير بها، كان يهدّدني بالطرد أو يضطرني للخروج بعيدًا كي أفكر بصمت وخجل. هذا الضغط الهائل الذي يتعرض له الإنسان من البيت والمدرسة والشارع والأصدقاء، كان وما زال سببًا في ضيق مدى الأفكار والأنشطة التي يمكن لأحدنا أن يقوم بها ويستكشفها، ذلك لأن سيفَ الطرد حاضرٌ في وعيه والخوف من لوعة الهجر أمر لا يمكن التخلّص منه إلا بجهد كبير على المستوى النفسي والفكريّ.

قرأت اليوم في حبر مقالة عن أن حكومتنا ترفض المشاركة في أعياد الميلاد هذه السنة. خشيت من مشاركة المقالة على الفيس بوك و تويتر، لأن الموضوع له حساسية خاصة، ثم إني فكّرت مليّا أثناء ذهابي إلى منطقة بيازيد اليوم وقلت إن المنطق يقول إن الحكومة للجميع، وإن مشاركة بعض أوجه الحكومة، ولو كان وزير الشباب، محمد القضاة، إن استدعى الأمر ذلك، أمرٌ لا يجدر أن يأخذ حيّزًا كبيرًا من الجدل في دولة مثل الأردن، يُضرب بها وبشعبها المثل لما نعيشه بشكل يومي من تعايش وتفاهم بين المسلمين والمسيحيين. ولكن، هل يمكن حقًّا لوزير “شيخ” مثل محمد القضاة، أن يذهب إلى احتفال بعيد الميلاد أو على هوامش عيد الميلاد؟ هل سيسلم من ألسنة غيره من دكاترة الشريعة وخطباء المساجد، الذين تسمح لهم الحكومة في هذه المناسبات أن يحذروا المصلين في أيام الجمعة من “مغبّة تهنئة النصارى بعيد الميلاد”؟ ألا تنتشر على صفحاتنا وإيميلاتنا أشياء عجيبة من أمر تحريم هذه المظاهر “الكافرة” والتي يجب على المجتمع المسلم أن يتخلص منها لأنها شرك بالله ومدعاة للفساد الفكري والأخلاقي؟ إن فكرة عيد الميلاد هي من الأفكار التي لطالما حكمتُ على أصدقائي بناء عليها، وهم كذلك. كنت إذا حدّثت صديقًا عن عيد الميلاد وثار غاضبًا محذرًا من حرمة هذا العمل، أحكم عليه بأنه “معقّد” لا يفهم الإسلام، وهم كانوا يحكمون عليّ بعكس ذلك. والدي كان من الرجال الذين أثق بحكمهم في هذا الشأن، فوالدي كان وما زال من الأشخاص الذين يحببون الناس إلى الدين، لأنني منذ صغري كنت أذهب معه إلى طبيب العائلة المسيحي، الدكتور إلياس اسكندر في شارع الطلياني في وسط البلد، وكنت أراهما يتمازحان لأنهما أصدقاء طفولة (كانا يبيعان البطيخ في سوق الخضار وهم صبية)، وهذه الصور زرعت في مخيلتي صورة لا يمكن أن تتغير عن جمال الإنسانية والرحمة التي بثها الله بين البشر. عن أن الدين لا يمكن ولا يجوز أن يكون مطيّة لتفريغ الكراهية والحقد، وأنّ هذه الأمور كلها قديمة جديدة تنتشر في مجتمعنا بفعل الجهل والتخلف والاستبداد. لا أدري إلى ماذا سيؤول أمر هذه القضية على الساحة الأردنية؟ هل سيكون وزير الشباب وزيرًا للشباب المسلم، أم وزيرًا للشباب الأردني؟ هي سيكون الالتزام بالدين عائقًا أمام هذا الوزير للتواصل مع المجتمع الأردني بكافة أطيافه؟ هل سيكون القضاة نموذجًا مصغرًا لما سيكون عليه الإسلاميون لو آلت السلطة إليهم؟ والسؤال الأهم: هل يا ترى أصبح هذا الفكر هو السائد في مجتمعنا الأردني وفي الخطاب الديني في مساجدنا وحلقات العلم هنا وهناك، وأن مجرد طرح هذه المواضيع على الرأي العام سيؤدي إلى الفتنة والانقسام؟

في الجامعة

بدا لي في الأمس أنّ ثقافة مشاهدة الخسوف أقوى في عمّان مما هي عليه في إسطنبول. لم أشعر أن أحدًا يكثرت للأمر. أخبرت الطلاب في وقت متأخر، وأبلغتهم بالإيميل وتويتر، وأخبروني بأنهم لم يعلموا بهذا الأمر. تابعت الخسوف حتى النهاية. تذكرت آخر مرة كنت فيها مع الشباب على جبل القلعة نتابع خسوف قمر عمّان فوق جبل الجوفة والأشرفية. كانت ليلة لم تنته إلا بعشاء رائع في أنوار مكّة.

أذكر بعدها أنني ذهبت إلى بيتي.

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

فكرتان اثنتان على ”هذا كانون الأول

أضف تعليق