التفكير فضيلة ذات حدّين

1

كنت أجلس في كافتيريا المكتبة أقرأ زقاق المدق،إلى أن وصلت إلى جملة يقول فيها محفوظ: “والتفكير فضيلة ذات حدّين” ضحكت متعجبا، ثم بادرني شخص يجلس أمامي قائلًا، أنت من مصر؟ هذا السمار سمار مصري؟ قلت له إنني من الأردن، وعرّف عن نفسه بأنه باحث مصري في الأدب التركي الحديث. سألني عن الأوضاع في الأردن، فأجبت باقتضاب يناسب المعرفة التي لم يتجاوز عمرها دقيقتين مع الرجل، وانتهى دوري بعد هذا، إذ دخل الرجل في حماس بالغ يتحدث عن مصر وما يجري بها، والسياسة وألاعيبها، وعاد بي إلى الستينيات، والأحزاب الشيوعية، ثم تكلم عن الأمن المصري وحاجز الخوف الذي كُسر، وعن الفظائع التي تعرض لها الناس. خشيت أن يمتد الحديث أكثر من ذلك، الرجل دمث الخلق وطيب، إلا أنّ شهيته للكلام كانت أكثر مما يمكنني احتماله. انحنيت إلى السحلب الذي أشربه، ارتشفت منه قليلًا، اعتذرت إليه متعللا بالمكتبة.

مما ألفيته مزعجًا في بداية الحديث معه هو جهل الرجل بيوسف زيدان، مع أنه باحث في الرواية المعاصرة، فيوسف زيدان بات من الأسماء الذين لا يسع المثقف العربي، فضلًا عن المصري، أن يجهله، إن لم يكن على سبيل الإعجاب والتقدير، فعلى سبيل المعرفة العامة بما بجري في عالم الكتاب في هذا الجزء من الكون.

على كل حال، الجو ما يزال باردًا هنا، بل باردًا جدًّا، وأرى نفسي سأعتاد على أنماط من التأقلم مع البرد لم أعهدها في حياة عمّان من قبل.

2

حضرت اليوم حصة تجريبية لأستاذة ترغب بالعمل في هذا القسم، ولم أحضرها باختياري، بل توافق مجيئها مع حصة أعطيها، فأدخلها رئيس القسم على فصلي. استمعت إليها قليلًا، لغتها ركيكة ومفرداتها محدودة، وكانت فوق ذلك جامدة في مكانها كأن الطير وقع على رأسها، أبقت يدها اليمنى في جيبها، فظننت بداية أنها تخفي شيئًا، ولكنها حرّرتها أخيرًا قبل نهاية الحصة بقليل. لم تكتب نقطة واحدة على اللوح من وراءها. لا شكّ أن عودي ما يزال طريًّا في هذا الأمر كلّه، فلا يجدر بي الحكم عليها، ولكنها لم تحسن استخدام الفرصة التي أتيحت لها، بل إنها لم تسمع إلى إرشادات رئيس القسم أثناء الحصة، إذا كان يقاطعها أحيانا وينصحها أن تشرح بعض الكلمات، أو أن تكتب شيئًا وتستخدم الأقلام، فرأيتها ضربت كل هذه التوجيهات عرض اللوح.

3

على كل حال، أحاول جهدي أن أتابع أخبار الأردن أوّلًا بأول، فأول ما أبدأ به صباحي الإلكتروني عندما أصل الجامعة هو تصفح الرأي، ولا أدري لماذا أختار الرأي دون كل الصحف الأردنية؟! فأنا معتاد على هذا منذ فترة ليست بالقصيرة، وكل خبر محلي خارج الرأي أصل إليه من الفيسبوك أو التويتر. لا أدري كيف تلقيت خبر إقالة الحكومة، وتكليف الخصاونة بتكليف حكومة جديدة، إلا إنني أتخيل ردة فعل والدي المعتادة على التعجب من عدد الحكومات الكبير الذي شهدتها هذه الدولة منذ تأسيسها، وكم تعاقب عليها من رؤساء ووزراء. قرأت مرافعة صديقي التويترجي تيسير كلوب ولمست بها صدق الالتماس وجدة الطلب، وأن الشباب الأردنيّ حازم في رفض إعطاء الثقة لهذه الحكومات قبل أن نرى من فمها الحلو فعل الرجال، وفي كلماتها المنمقة مواقف ترفع الظلم وتصلح الفساد وتخلصنا منه ومن أهله. لم أتمكن وأنا أجلس هنا إلا أن أضم صوتي إلى صوت تيسير، وأقول لهذا الرجل الذي لا أعرفه إلا قاضيًا أننا نريد أن نتعامل ولو لمرة واحدة في حياتنا مع رئيس وزراء محترم لا يسرق أموالنا ولا يدافع عن السارقين.

ملّقت شباب، سلام.

فكرة واحدة على ”التفكير فضيلة ذات حدّين

  1. :))) كانت فوق ذلك جامدة في مكانها كأن الطير وقع على رأسها

    أنتم على حق يا أستاذ :)))

أضف تعليق