القمر ما انتظر

الكنباية وماء من الحنفية

أجلس على “الكنباية” التي أعطتني اياها أمي كي أستقر عليها أثناء عملي في المنزل لفترات طويلة، لأن الجلوس على الكرسي العادي  يؤذي الجسد، ويؤذي الكرسي كذلك. ما زلت جالساً على الكنباية الآن، وكنت أنظر إلى القمر من النافذة التي أمامي، والتي تطل على سارية القصور الملكية، ورأيت القمر بمحاذاة السارية. راودتني رغبة قوية في أن أتحرك من مكاني وأصور ذاك المنظر، لكني لم أفعل. أجلس الآن أراجع ملفاً قمت بترجمته في الأيام الماضية، ويحتاج إلى بعض التدقيق اللغوي والمراجعة السريعة، ولكني مللت واشتقت للكتابة. أحببت أن أستمع إلى بعض النشيد الصوفي، مع أن خطيب الجمعة اليوم شن هجوماً لم أسمع مثله من قبل على الغناء والموسيقى، وبناء على ما قاله اليوم، فإن جماهير المسلمين يقعون عنده في دائرة الفسق، وزواج المسلمين يدخل في باب السفاح عنده (على حد قوله) لأن الأعراس تشتمل على الموسيقى، حتى لو كانت الأغاني إسلامية، أو ما يدعى بالإسلامية في أيامنا هذه. قال إن الاستماع إلى الموسيقى من الكبائر ومن الباطل ولا بد من تكسير المعازف كلها، وراح يقارن بين الرجل الذي يزني في خلوة من دون أن يراه أحد وبين الذي يستمع للموسيقى، وعنده أن الأول أمره أهون من الأخير؟؟ فذلك الأمر بينه وبين ربه، أما الاستماع إلى الموسيقى فهو باب كل الشرور والمفاسد. المؤذي في كلامه ليس هذا فقط، فهو على الأقل رأي عند الوهابية المعاصرة، يراه البعض شاذاً، لكن الذي آذاني هو إصرار هذا الواعظ على أن هذا الرأي هو رأي فقهاء المسلمين بالإجماع، وأنه ما من عالم من علماء المسلمين إلا ويثني على قوله وأنه لا يذكر أي مخالف لهذا الحكم.  معرفتي الفقهية العادية مع حبي للموسيقى الملتزمة  وقفا أمام هذه الادعاءات ورفضتها في نفسي، وحزنت لأن الناس لا تأبه كثيراً، وأن بعضهم سيولد الكثير من التساؤلات حول هذا الأمر وصراعاً مريراً بين قبوله ورفضه. أنا أعلم أن جميع الأدلة التي ساقها هذا الخطيب لها وجه آخر من فهمها، وكنت وأنا أستمع لهذه الأدلة أردها في عقلي واحدة تلو الأخرى، كاستدلاله مثلاً بآية ” ومن الناس من يشتري لهو الحديث” وأن لهو الحديث هنا هو الموسيقى والمعازف، مع أن الأمر ليس بهذه السهولة، فالعام لا يقيد بهذه الطريقة إلا بدليل آخر، ثم إن بقية الآية ” ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزوا” تدل على أن من يفعل هذا الأمر ليس من الإسلام في شيء، وأن الأمر ليس مجرد استماع إلى موسيقى أو استخدام معازف. وحديث “ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف” وأنا أفهم أن الأمر يأتي على اجتماع هذه معاً أو ترتب أمر منها على الآخر، كما أن هذا الحديث منقطع السند، حتى وإن كان في البخاري، ولا يمكن الاستدلال به لتحريم الموسيقى. وهنالك الكثير من الأحاديث المنكرة والضعيفة التي استدل بها، والتي لا تقوم دليلاً على تحريم شيء الأصل فيه الإباحة.

كان الاقتراح أن يتم إنشاء صفحة على الفيس بوك لهذا المسجد وأن أضع إعلاناً بتصميم جميل على بوابة المسجد كي يتابع الناس هذه الصفحة، وبهذا يكون لدى الإنسان فرصة ليوضح الرأي الآخر على الأقل، ليعرف الناس أن ما يقوله هذا الخطيب ليس هو (بالضرورة) مراد الله على الأرض، وأن هنالك الكثير ممن يخالف رأيه من علماء المسلمين في القديم والحديث.

الله تعالى جميل يحب الجمال

لم يكن قصدي أن أكتب عن أمر في الفقه و في حكم الموسيقى، فليس هذا عشي، ولكني كنت أود الكتابة عن القمر الذي غاب سريعاً الليلة عن ناظري. كنت أراقبة وهو يأذن بالأفول، ثم أفل وغاب. كنت أود لو بقي أمام ناظري حتى أنتهي من كتابة هذه التدوينة السريعة

10 أفكار على ”القمر ما انتظر

  1. راااائع انتقالك بين الأفكار،،،كالنحل بين الأزهار ،،، الكنباية،القمر، خطبة الجمعة…. ثم القمر مرة ثانية
    إضافة إلى العنوان المشوق “القمر ما انتظر” الذي يقوم بدور فعال في جذب القارئ.

    موفق ان شاء الله
    منية

  2. كتير حلوة…بدابتها ونهايتها
    والأحلى إنها بوسطها بتحكي عن موضوع مهم
    انا برأيي الدين بسيط جدا وكله يسر
    وما في داعي لتعقيده وتقديم فتاوى منفرة
    إنما الأعمال بالنيات

    1. شكرا يا جماعة، اذا جانيت بدت تكتب فلازم نستنى شغلات كتير رائعة، ويلا منية انا متأكد انو عندك كتير تحكيه، خاصة عن حياتك ودراستك في الأردن

      ابعتيلنا الرابط جانيت، لا تنسي

  3. لاحظت في بعض المقالات التي تكتبها أنك تبدأ بفكرة وسرعان ما تنتقل إلى فكرة أخرى مختلفة تماما عن التي بدأتها ، هناك الكثير من الكتاب من يتبع هذا النهج في كتابة المقالات لكن قلما نجد من نجح في الربط بين فكرة وأخرى
    وفي نظري بأسلوبك هذا استطعت جذب القارئ بحيث يعيش أجواء المقال …وفقك الله
    بيان

  4. شكرا بيان، في الواقع “الشوشرة” التي تحصل مع الإنسان فيما يرتبط بتعدد التجارب التي يمر بها تدفعه أحياناً، وبلا وعي منه، أن يكتب بهذه الطريقة، خاصة في هذه الأيام، حيث تمر على الإنسان في يوم واحد أمور وتجارب كثيرة، في الحياة العملية أو على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، مما يجعل الأمر مشوشرا جداً

  5. كلا مك صحيح ، في كتير ظروف بتكون خارجة عن إرادة الإنسان في هذه الحالة بلجأ الشخص لهذه الطريقة لإنه بجد نفسه بعبر بهذه الطريقة أكتر من الكلام
    جزيت خيرا

  6. أنا لست شديدة الالتزام ولست من أهل الدين والإفتاء ولا يحق لي أن أحكم على أحد.. ولكنني أرى بأن بعض أهل الدين يغالون في الأحكام (كهذا الشيخ الذي جعل الموسيقى كالزنى وهو إحدى الكبائر والعياذ بالله) وبعضهم يتساهلون في أحكام الدين بما لا يجب (كالذي أفتى بجواز وضع المناكير على الأظافر على وضوء لمدة 24 ساعة ثم مسحها والوضوء من جديد ووضعها مرة أخرى تماماً كالمسح على الخفين وهو ما لا يجوز شرعاً لأنه يبطل صحة الوضوء)..

    ولكنني أستغرب منك كثيراً.. اسمحلي.. فأنا أؤمن يقيناً بأن كل ما يتبع الصوفية حرام ولا أشك في ذلك.. وأؤمن بأن الموسيقى حرام لأنها تلهي عن ذكر الله ولكنها ذنب وليست بكبيرة ولا إثم عظيم.. فهلا شرحت لي وجهة نظرك فيما يخص حكم الغناء والموسيقى بشكل عام وفيما يخص الصوفية وأناشيدها بوجه خاص..

    أوليس القرآن والغناء لا يجتمعان في قلب عبد مؤمن.. أوليس من يعزف على أية آلة موسيقية يحشر يوم القيامة على رؤوس الخلائق وهو يعزف.. أرجوك صححلي إن كنت مخطئة فأنا أريد أن أعرف..

اترك رداً على Janet Awad إلغاء الرد